فضل صفية بنت حيي رضي الله عنها
وهي صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن أبي خبيب من بني النضير وهو من سبط لاوي بن يعقوب، ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، كانت قبل إسلامها تحت سلام بن مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، فقتل يوم خيبر فصارت صفية مع السبي فأخذها دحية الكلبي، ثم استعادها النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها.
كانت من سيدات النساء عبادة وورعاً وزهادة وبراً وصدقة كما كانت شريفة عاقلة، ذات حسب، وجمال، ودين رضي الله عنها وأرضاها (1) .
وقد ورد في مناقبها رضي الله عنها أحاديث منها:
1- ما روى الشيخان من حديث طويل عن أنس رضي الله عنه في غزوة خيبر وفيه ((فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية، وكان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عتقها صداقها)) (2) .
وفي رواية: فقال ثابت لأنس: ((ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها)) (3) .
قال ابن القيم: (ومن خصائصها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها... وصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة يجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها وتصير زوجته) (4) .
2- ومنها ما رواه البخاري في صحيحه بإسناده إلى أنس رضي الله عنه قال: ((قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروساً فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه فخرج حتى بلغنا سد الصهباء حلت فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال لي آذن من حولك، فكانت تلك وليمته على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب)) (5) .
وقال الحافظ ابن حجر: (ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فخذه لتركب فأجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع رجلها على فخذه فوضعت ركبتها على فخذه وركبت) (6) .
ففي ذلك دليل على عظم شأنها وجلالة قدرها حيث كانت تجل المصطفى صلى الله عليه وسلم وتكرمه من أن تضع رجلها على فخذه وإنما كانت تضع ركبتها على فخذه حتى تركب فرضي الله عنها.
3- ومن مناقبها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من التنويه بشرف نسبها فقد روى الترمذي بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: فما يبكيك؟ قالت: قالت لي حفصة أني ابنة يهودي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإنك لابنة نبي، وأن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟ ثم قال: اتقي الله يا حفصة)) (7) . وقد تضمن بياناً لمكانتها وجبراً لخاطرها.
قال ابن القيم: (وهذا من خصائصها رضي الله عنها) (8) .
4- مدح النبي صلى الله عليه وسلم لها ووصفه لها بالصدق، قد أخرج ابن سعد عن زيد بن أسلم ((أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في الوجع الذي توفي فيه اجتمعت إليه نساؤه فقالت صفية بنت حيي: أما والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي فغمزنها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبصرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مضمضن. فقلن: من أي شيء يا نبي الله؟ قال: من تغامزكن بصاحبتكن والله إنها لصادقة)) (9) . فكانت رضي الله عنها عاقلة حليمة فاضلة وكانت وفاتها سنة اثنين وخمسين في خلافة معاوية رضي الله عنهم أجمعين