فضل سودة رضي الله عنها
هي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدون بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد الأنصارية، كانت عند السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو فتوفي عنها، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهي أول امرأة تزوجها بعد خديجة رضي الله عنهن وانفردت به صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة وكانت سيدة جليلة نبيلة، وهي التي وهبت يومها لعائشة رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي مع سائر من توفي عنهن من أزواجه رضي الله عنهن وأرضاهن وكانت وفاتها رضي الله عنها في آخر زمن عمر بن الخطاب، وقيل سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية رضي الله عنهم أجمعين (1) .
وقد وردت لأم المؤمنين سودة رضي الله عنها فضائل ومناقب تدل على جلالة قدرها وعظيم شأنها رضي الله عنها ومن تلك المناقب:
1- حرصها على البقاء في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وإيثارها يومها في القسم لعائشة رضي الله عنهن إيثاراً منها لرضاه عليه الصلاة والسلام وحباً في البقاء معه لتكون من أزواجه في الدنيا والآخرة.
فقد روى الترمذي بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلقني وأمسكني وأجعل يومي لعائشة ففعل فنزلت فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128]. فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز)) (2) .
وروى البخاري بإسناده إلى عائشة: (أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة) (3) .
وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: ((كان رسول الله، إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (4) .
قلت: ففي طلب سودة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم إمساكها مع إيثار لضرتها بقسمها ما يدل على رجاحة عقلها ونبل مقصدها.
وقد تضمنت موافقة رسول صلى الله عليه وسلم على إمساكها فضيلة ظاهرة لسودة رضي الله عنها حيث بقيت في عصمته عليه الصلاة والسلام وتوفي وهي في عداد زوجاته الطاهرات.
قال ابن القيم رحمه الله: (فلما توفاها الله –يقصد خديجة- تزوج بعدها سودة بنت زمعة.. وكبرت عنده وأراد طلاقها، فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها فأمسكها وهذا من خواصها أنها آثرت بيومها حب النبي صلى الله عليه وسلم تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحباً له، وإيثارا لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة لرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها) (5) .
2- ومن مناقبها رضي الله عنها أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها:
فقد روى مسلم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة قالت فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة قالت: يا رسول الله قد جلعت يومي منك لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين ويوم سودة)) (6) .
قال ابن الأثير: (كأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها) (7) .
وقال النووي: (وقولها من امرأة، قال القاضي: من هنا للبيان واستفتاح الكلام، ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحد بكسر الحاء) (8) فرضي الله عنها وأرضاها