" فضائل أهل البيت وما ورد في شأنهم
في كتاب الله وفي سنّة رسول الله
صلى الله عليه وسلم "
إنّ فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جداً، جاءت في الكتاب وصحيح السنّة، وليس يعنينا -الساعة-
ما وضع أهل الأهواء في فضائل أهل البيت، إذ ليس هذا وقت رده، إنما نذكر ما ورد في فضل آل البيت عموماً، وفضل بعضهم خصوصاً، في الكتاب والسنّة، ومن ذلك:
قولــه -تعالى-:
((يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً )) [الأحزاب:32]،
فبيّن الله -سبحانه- فضل قرابـة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أنّ الله -سبحانه- جعلهم من نسبٍ شريف، ومن شجرةٍ مباركة، وكيف أنَّ الله -سبحانه وتعالى- جعل لهم هذه المكانة، وهذه المنزلة؛ لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هذا إلا لأنَّ الأنبياء يُبعثون من أشرف أقوامهم، ومن أشرف بني جنسهم، ولقد كان نسب نبينا صلى الله عليه وسلم من أشرف أنساب العرب من بني هاشم، وما من بطنٍ من بطون العرب، ولا قبيلة من قبائله إلا ولنبينا صلى الله عليه وسلم صلةٌ بها صلة قرابة، ولذلك قال الله -سبحانه وتعالى-:
(( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )) [الشورى : 23]
(1)، فنبينا صلى الله عليه وسلم لا يسأل العرب ولا العجم أجراً، وإنما يطلب منهم أن يرعوا حقَّ الله في هذه القرابة.
ولقد جاءت أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل آل البيت الأطهار، من ذلك:
حديث واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)) رواه مسلم
فهو صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار، وآل بيته الأطهار، وذلك لنسبتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهم حقٌّ، ولهم رعاية، ولهم عناية، في الأرض وفي السماء، عند الله -سبحانه وتعالى- وعند خلقه.
ومما ورد في فضل آل بيت(2) النبي صلى الله عليه وسلم: حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (( خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي؛ فأدخله- أي: تحت هذا الكساء. -، ثم جاء الحسين، فدخل معه، ثم جاءت فاطمة؛ فأدخلها، ثم جاء عليّ؛ فأدخله، ثم قرأ قول الله -عزّ وجلّ-:
(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33])) رواه مسلم..
وحينما أتى وفدُ نجران، وأقام عليهم الحجّة، ودعاهم إلى المباهلة دعا أهل بيته، عليَّاً وفاطمة، وحسناً وحُسيناً، عملاً بقول الله -عزّ وجلّ-: (( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) [آل عمران : 61]
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (( اللهم هؤلاء أهلي))
رواه مسلم..
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأهل بيته خيراً؛ فمن آذاهم؛ فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رسول الله؛ فقد آذى الله؛ لأنهم أهل بيت النبوة، وأهل الولاية؛ فمن انتقصهم، أو عابهم، أو طعن فيهم، أو سبهم، أو ناصبهم العداء؛ فليس محباً للنبي صلى الله عليه وسلم -وإن زعم ذلك-؛ وذلك أنَّ طعن أهل الرجل طعن فيه، فكيف إذا كان الطعن في خير بيتٍ نشأ تحت أديم السماء؛ ألا: وهو بيت النبوة.
فعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى: خُمّاً بين مكة والمدينة؛ فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: (( أمّا بعد: ألا أيها الناس إنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي؛ فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين(3) :أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به))، فحثّ على كتاب الله، ورغّب فيه، ثم قال: ((وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي))
رواه مسلم..
فهذا يدلّ على أنّ من آذى أهل بيت رسول الله -قولاً أو فعلاً، غمزاً أو لمزاً أو انتقاصاً-؛ فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا فأهل السنّة والجماعة وسطٌ في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بين من غلوا في حبهم إلى درجة الألوهيّة، وبين من جفا عنهم وانتقصهم، فهم يرعون لهم حقهم، ويوقرونهم، وينزلونهم المنزلة التي أنزلهم الله -سبحانه وتعالى- إياها.
وأمَّا ما جاء في فضل علي -رضي الله عنه- على وجه الخصوص فأحاديث كثيرة، ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) رواه مسلم، وفي حديث علي أنه قال: والذي خلق الحبة، وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم إليّ: (( أنْ لا يحبّني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)). رواه مسلم.
وكذلك وردت أحاديث في فضل الحسن والحسين -رضي الله عنهما-، وسماهما النبي صلى الله عليه وسلم:
(( سيدا شباب أهل الجنّة)) [صححه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (796).] ، وقال عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: ((إنّ ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) رواه البخاري، وذلك حينما تنازل عن حقه في الخلافة لمعاوية -رضي الله عنه- وسمي عام الجماعة؛ لاجتماع كلمة المسلمين على خليفة واحد، وإكراماً له، فإنّ الله -جلَّ جلاله- سيجعل مهديَّ آخر الزمان، مهديّ الحق، مهديّ أهل السنّة من نسل الحسن، ولعلّ ذلك لتواضعه وتنازله، فهذا النسل المبارك بدءاً وانتهاءً كلّه خير وبركة، لا ينتهي خيره إلى يوم الدين.
وكذلك فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء أهل الجنّة(4)، فهي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (( إنّما فاطمة بَضعة(5) مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها)) متفق عليه؛ رواه البخاري، ومسلم واللفظ لمسلم.، ولذلك بشرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها أوّل أهله لحوقاً به صلى الله عليه وسلم بعد موته.
وهكذا فإنَّ فضائل آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ، وحسبك أن الله قرنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه، فما من مسلم في مشارق الأرض ومغاربها إلا وهو يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، ولقد حقّ للشافعيّ -رحمه الله- أن يقول: يا آل بيت رسول الله حبكم --- فرض من الله في القرآن أنزله
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
لقد كانت مواقف الصحابة في إكرام آل البيت الأطهار أنموذجاً للأخوة الإسلاميّة، والعروة الوثقى الإيمانيّة، إذ نهوا عن إيذائهم؛ فكانت كلمة الصديق -رضي الله عنه-: (( ارقبوا محمداً في أهل بيته)) دليلاً بيناً لحرص الصحب الكرام على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وعترته المشرفة.
كذلك كان أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقدرون الصحابة حقَّ قدرهم، ويوقرونهم، ويعرفون سبقهم وفضلهم، فقد ثبت عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: " ألا فمن أتيت به يقول بعد هذا اليوم -أي ينتقص أبا بكر وعمر- إن عليه ما على المفتري))
[شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة: (2456)]
==============
(1)أي: أن ترعوا هذه الحرمة، وأن ترعوا هذه القرابة.
(2) وأفضلهم فاطمة وعلي والحسن والحسين، وأقربهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) بفتح المثلثة والقاف، وسميا بذلك؛ لأنّ الأخذ بها ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس: ثقَلٌ فسمّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما، وتفخيماً لشأنهما ا.هـ (النهاية - مادة ثقل).
(4) يشير إلى الحديث المتفق عليه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لفاطمة – رضي الله عنها -: (( أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء العالمين ))، وفي رواية : (( سيدة نساء المؤمنين))، رواه البخاري ومسلم.
(5)بَضعة : يفتح الباء هي: قطعة اللحم، وتكسر؛ فيكون معناها : جزء، ومعناها: هي جزء مني ، انظر (( النهاية )) ( مادة بضع).
(6) رواه البخاري، قال ابن حجر -رحمه الله-: في قوله (ارقبوا): "يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به، والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم؛ فلا تؤذوهم، ولا تسيئوا إليهم" (فتح/حديث 3713)..