لقد حاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرف العظيم من ربه؛ بأن كان خاتم النبيين، وكانت رسالته متممة لشرائع إخوانه المرسلين، فصارت صالحة للناس كافة إلى يوم الدين. ومن كان هذا شأنه فهو أمام أربع أنفس: مؤمنة به، وغافلة عنه، وجاهلة به، وحاسدة له .
وقد تعامل رسول الله مع هذه النفوس كلها، وعلمنا كيف نتعامل معها من خلال ما
بينه لنا من قيم القرآن وما أببأتنا به سنته الشريفة وسيرته العطرة، خاصة فيما يتعلق بأخلاقه وشمائله التي ما تركت نفسا إلا وتعاملت معها وحرصت على بيان ما ينفعها لتتبعه وما يضرها فتجتنبه، ولم يقتصر ذلك على المسلمين وحدهم وإنما شمل الناس جميعا بكريم صفاته وعلو طباعه تحقيقا لقول الله تعالى فيه : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[سبأ:28] ، وغلبت عليه صفة الرحمة والشفقة على الخلق جميعا دون تمييز لأنه علم أن ذلك هو الطريق الأقصر بل الأوحد إلى قلوب الناس كما علَّمه ربه في قوله سبحانه : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[آل عمران:159] ، فكانت حياته ودعوته على هذا المنوال طول عمره مع من وافقه واتبعه أو من خالفه وحسده ؛ ونجد ذلك واضحا في تعامله مع الأنفس الأربع التي ذكرناها قبل قليل :
فالمؤمن به ازداد إيمانا ورفعة وأخلاقا ورحمة بالعالمين؛ بل حرص المسلم الحق على التحقق بكل ما يقربه منه صلى الله عليه وسلم ، وكان السبيل إلى ذلك هو التخلق ببعض أخلاقه حتى صارت درجات المؤمنين تقاس عند الله عز وجل بمدى التعلق والتحقق بهذا التخلق ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ".