مناقب و كرامات السيدة نفيسة بنت الحسن رضي الله عنها :
ذاعت كرامات السيدة نفيسة في مصر فهرع إليها الناس من كل جهة، وازدحموا على بابها, وكانت لهل كرامات كثيرة رضي الله تعالي عنها في حياتها وبعد وفاتها متتالية مترادفة 0
وقد ذكر الإمام ابن حجر نحو مائة وخمسون كرامة ذكرها لا علي سبيل المثال لا الحصر
ولنذكر بعضها في حياتها وبعد وفاتها رضي الله تعالي عنها لنكشف قبساً من سواطع أنوارها ولمحة من لمحات ربها وفيوضه عليها منها:
ما حكى الأزهري في الكواكب السيارة (كتاب) من غريب مناقب السيدة نفيسة بنت الحسن، أن امرأة عجوز لها أربعة أولاد بنات كن يتقوّتن من غزلهن (يغزلن الصوف) من الجمعة إلى الجمعة . فأخذت أمهن الغزل لتبيعه وتشتري بنصفه كتاناً ونصفه الآخر ما يتقوّتن به ، ولفت الغزل في قطعة حمراء ومضت إلى السوق، فلما كانت في بعض الطريق إذا بطائر انقض عليها وخطف منها صرة الغزل ثم ارتفع في الهواء , فلما رأت العجوز ذلك وقعت مغشياً عليها
(مؤكد هذا لأنه ليس عندها مال تقتات منه غير ذلك الغزل) فلما أفاقت من غشيتها قالت : كيف أصنع بأيتامي ؟
(أنظروا الحنان، لم تقل ماذا أفعل بنفسي ,الشفقة والحنان قدر الأم على أولادها0
فالمطلوب من الأبناء أن يكونوا رحماء بالأم ، ففي الحديث ورد :"أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك"
الأبناء ( الأبن أو الابنة) هذه الأيام يصرخن في وجه الأم قومي اكوي الثياب، هي خادمة عندكم! لا ليست مجبورة الأم تكوي ، أو يقولوا لها قومي حضري الطعام ومنهم من ويضربها كف كفين، ومنهم من يتلفظ معها بما لا يليق
الواجب أن يقوموا بخدمة أنفسهم بل أن تفعل لهم هذا إنما من باب الإحسان الأبناء مطلوب أن تكون أخلاقهم عالية كل ما كان الشخص تقي وأخلاقه حسنة كل ما كان قريب من الرسول الأعظم .
قال : "أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا" ما دام هو تقي على حسب تقواه يكون قريب من الرسول الأعظم
فلما فاقت الأم من غشيتها قالت كيف أصنع بأيتامي قد أهلكهم الفقر والجوع فبكت فاجتمع الناس عليها وسألوها عن شأنها فأخبرتهم بالقصة فدلوها على السيدة نفيسة وقالوا لها اسأليها الدعاء فإن الله سبحانه وتعالى يزيل ما بك، فلما جاءت إلى باب السيدة نفيسة أخبرتها بما جرى لها مع الطائر وسألتها الدعاء فرحمتها السيدة نفيسة ودعت لها دعاءً أن ييسر لها أمرها فجلست المرآة تنتظر الفرج وفي قلبها من جوع أولادها شدة وضيق فلما كان بعد ساعة يسيرة إذا بجماعة قد أقبلوا وسألوا عن السيدة نفيسة وقالوا إن لنا أمراً عجيباً ، نحن قوم مسافرون لنا مدة في البحر ونحن بحمد الله سالمون فلما وصلنا إلى قرب بلادكم انفتحت المركب التي نحن فيها ودخل فيها الماء وأشرفنا على الغرق وجعلنا نسد الخرق الذي انفتح فلم نقدر على سده، وإذا بطائر ألقى علينا صرة حمراء فيها غزل فسدت الفتحة بإذن الله، وقد جئنا بخمسمائة دينار شكراً على السلامة . فعد ذلك بكت السيدة نفيسة وقالت : إلهي وسيدي ومولاي ما أرحمك وألطفك بعبادك0
ثم طلبت العجوز صاحبة الغزل وقالت لها بكم تبيعين غزلك فقالت بعشرين درهماً فناولتها الخمسمائة دينار فأخذتها وجاءت إلى بناتها فأخبرتهن بما جرى فجئن إلى بيت السيدة نفيسة وقبلن يدها وتبركن بها .
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، من صبر ظفر فله الأجر ومن اعترض على الله كفر .
ومنها:
أن أحد الأمراء قبض أعوانه على رجل من العامة ليعذبوه فبينما هو سائر معهم، مرّ بدار السيدة نفيسة رضي الله عنها فصاح مستجيرًا بها، فدعت له بالخلاص قائلة: "حجب الله عنك أبصار الظالمين" ولما وصل الأعوان بالرجل بين يدي الأمير، قالوا له: إنه مرّ بالسيدة نفيسة فاستجار بها وسألها الدعاء فدعت له بخلاصه، فقال الأمير: " أو بلغ من ظلمي هذا يا رب، إني تائب إليك واستغفرك, وصرف الأمير الرجل، ثم جمع ماله وتصدق ببعضه على الفقراء والمساكين".
وفي أخري: في كتاب كرامات الأولياء للنبهاني :
حكى بعض المشايخ أنه كان في حال حياتها أمير ظالم فطلب إنساناً ليعذبه ظلماً , فمرّ ذلك الإنسان بالسيدة نفيسة واستجار بها , فقالت له بعد أن دعت له بالخلاص منه : " امض حجب الله تعالى عنك أبصار الظالمين "
فمضى ذلك الرجل مع أعوان الأمير الظالم إلى أن وقفوا بين يديه , فقال الأمير لأعوانه : أين فلان ؟ قالوا : إنه واقف بين يديك , فقال الأمير : والله ما أراه , فقالوا : إنه مرّ بالسيدة نفيسة وسألها الدعاء , فقالت له : " حجب الله تعالى عنك أبصار الظالمين "
فقال : وبلغ من ظلمي هذا كله أن يحجب عني المظلوم بالدعاء ؟ يارب إني تائب إليك , ثم كشف رأسه , فلما تاب ونصح في توبته نظر الرجل وهو واقف بين يديه , فدعا به وقبّل رأسه وألبسه أثواباً سنيه وصرفه من عنده شاكراً .
ثم إنه جمع ماله وتصدق به على الفقراء والمساكين , وأرسل إلى السيدة نفيسة بمائة ألف درهم وقال :هذه شكر لله تعالى من عبد تاب إلى الله.
فأخذت الدراهم وصرّتها صرراً بين يديها ووزعتها عن أخرها وكان عندها بعض النساء فقالت زينب بنت أخيها يحيي المتوج: : يا عمتي لو تركتِ لنا شيئاً من هذه الدراهم نشتري به شيئاً نفطر عليه ؟
قالت لها : خذي غزل يدي بيعيه بشيء نفطر عليه , فذهبت المرآة وباعت الغزل بشيء يفطرن عليه ولم تمس من ذلك المال شيئاً.
ويذكر القرماني في تاريخه ويؤيده في روايته صاحب الغرر وصاحب المستطرف - وهما من رواة التاريخ الثقات - أن السيدة نفيسة - رضي الله عنها- قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها: "ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخولتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة لاسيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلمون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون"! يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته!